فصل: 890- باب ما جاء في التسعير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


875- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الطّعَامِ حَتى يَسْتَوْفِيَه

‏(‏باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه‏)‏ أي يقبضه‏.‏

1288- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمرو بنِ دِينَارٍ، عنْ طَاوُسٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏مَن ابْتاعَ طَعاماً فَلاَ يَبعْهُ حَتّى يَسْتَوْفَيهُ‏"‏‏.‏

قالَ ابنُ عَبّاسِ‏:‏ وأَحْسَبُ كُلّ شَيءٍ مثْلَهُ قال وفي البابِ عنْ جَابرٍ وابنِ عُمرَ وأبي هريرة‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَملُ عَلَى هَذَا عنْدَ أَكثَرِ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ كَرهُوا بَيْعَ الطّعَامِ حَتّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي‏.‏ وقدْ رَخّصَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ فِيمنِ ابْتَاعَ شَيْئاً مِمّا لا يُكَالُ ولاَ يُوزَنُ، مِمّا لاَ يُؤْكَلُ ولا يُشْرَبُ، أنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أنْ يَسْتَوْفِيَهُ‏.‏ وإنّمَا التّشْدِيدُ عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، فِي الطّعامِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ابتاع‏)‏ أي اشترى ‏(‏حتى يستوفيه‏)‏ أي يقبضه واقياً ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ وأحسب كل شيء مثله‏)‏ أي مثل الطعام استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضي لكون سائر الأشياء كالطعام‏.‏ كحديث زيد بن ثابت‏.‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‏.‏ أخرجه أبو داود والدارقطني‏.‏ وكحديث حكيم بن حزام‏:‏ قلت يا رسول الله إني اشتري بيوعاً فما يحل منها وما يحرم علي‏؟‏ قال‏:‏ إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه‏.‏‏.‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ قال محمد في الموطإ بقول ابن عباس نأخذ الأشياء كلها مثل الطعام، لا ينبغي أن يبيع المشتري شيئاً اشتراه حتى يقبضه‏.‏ وكذلك قول أبي حنيفة رحمه الله إلا أنه رخص في الدور والعقار والأرضين التي لا تحول أن تباع قبل أن تقبض‏.‏ أما نحن فلا تجيز شيئاً من ذلك حتى يقبض انتهى كلام الإمام محمد‏.‏ قلت‏:‏ ما ذهب إليه الإمام محمد هو الظاهر لإطلاق حديث زيد بن ثابت وحديث حكيم بن حزام المذكورين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم ‏(‏وابن عمر‏)‏ قال‏:‏ كانوا يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه‏.‏ أخرجه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه‏.‏ قوله حديث ابن عباس حسن صحيح أخرجه الجماعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم في من ابتاع شيئاً مما لا يكال ولا يوزن‏)‏ أي في من اشترى شيئاً غير مكيل ولا موزون ‏(‏مما لا يؤكل ولا يشرب‏)‏ لما لا يكال ولا يوزن ‏(‏أن يبيعه قبل أن يستوفيه‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في الدور والعقار والأرضين كما تقدم ‏(‏وإنما التشديد عند أهل العلم في الطعام وهو قول أحمد وإسحاق‏)‏ قال العيني في البناية‏:‏ اختلفوا في هذه المسألة فقال مالك‏:‏ يجوز جميع التصرفات في غير الطعام قبل القبض لورود التخصيص في الأحاديث بالطعام وقال أحمد‏:‏ إن كان المبيع مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً لم يجز بيعه قبل القبض وفي غيره يجوز‏.‏ وقال زفر ومحمد والشافعي‏:‏ لا يجوز بيع شيء قبل القبض طعاماً كان أو غيره لإطلاق الأحاديث‏.‏ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلا جواز بيع غير المنقول قبل القبض لأن النهي معلول بضرر انفساخ العقد لخوف الهلاك، وهو في العقار وغيره نادر وفي المنقولات غير نادر‏.‏ انتهى كلام العيني‏.‏ قلت‏:‏ قد عرفت فيما تقدم أن الظاهر قول زفر ومحمد والشافعي ومن تبعهم والله تعالى أعلم‏.‏

876- باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَنْ البَيْعِ على بيع أَخِيه

1289- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا اللّيْثُ عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْض‏.‏ وَلاَ يَخْطُبُ بعضكم عَلَى خِطْبَةِ بَعْض‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وفي البابِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابنِ عُمَرَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رُوِيَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ ‏"‏لاَ يَسُومُ الرّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ‏"‏ ومَعْنَى الْبَيْعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ بَعضِ أهْلِ الْعِلْمِ، هُوَ السّوْمُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يبيع بعضكم على بيع بعض‏)‏ بأن يجيء بعضكم بعد استقرار الثمن‏.‏ بين البائع والمشتري وركون أحدهما إلى الاَخر فيزيد على ما استقر، فإطلاق البيع مجاز أول يراد به السوم‏.‏ ‏(‏ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض‏)‏ أي بعد التوافق على الصداق وركون أحدهما إلى الاَخر‏.‏ ولفظ البخاري‏:‏ نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وسمرة‏)‏ لينظر من أخرج حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه‏)‏ أخرجه مسلم عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ لا يسم الرجل على سوم أخيه المسلم‏.‏ ‏(‏ومعنى البيع في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض أهل العلم هو السوم‏)‏ صورة السوم أن يأخذ شيئاً ليشتريه فيقول‏:‏ المالك رده لأبيعك خيراً منه بثمنه أو مثله بأرخص أو يقول للمالك استرده لأشتريه منك بأكثر‏.‏ وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الاَخر‏.‏ فإن كان ذلك تصريحاً‏.‏ فقال الحافظ في الفتح‏:‏ لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهراً ففيه وجهان للشافعية‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الركون‏.‏ وتعقب بأنه لا بد من أمر مبين لوضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقاً كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البر‏.‏ فتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك‏.‏

وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص‏.‏ أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد‏.‏ قال في الفتح، وهذا مجمع عليه‏.‏ وقد اشترط بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبوناً غبناً فاحشاً‏.‏ وإلا جاز البيع على البيع، والسوم على السوم لحديث‏:‏ الدين النصيحة‏.‏ وأجيب عن ذلك بأن النصحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم‏.‏ لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين‏.‏ كذا في الفتح‏.‏

877- باب ما جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ والنّهْيِ عَنْ ذلِك

1290- حدثنا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ‏.‏ حدثنَا المعتمر بنُ سُلَيْمانَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ لَيْثاً يُحَدّثُ عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّادٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنْ أَبي طَلْحَةَ، أَنّهُ قالَ‏:‏ يَا نَبيّ الله إِنّي اشْتَرَيْتُ خَمْراً لإيْتَامِ فِي حِجْرِي‏.‏ قالَ ‏"‏أَهْرِقِ الْخَمْرَ وَاكْسِرِ الدّنَانَ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ جابِرٍ وَعائِشَةَ وَأَبي سَعِيدٍ وابْنِ مَسْعُودٍ وابنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أَبي طَلْحَةَ، رَوَى الثّوْرِيّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السّدّيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّاد، عَنْ أَنسٍ أَنّ أَبَا طَلْحَةَ كانَ عِنْدَهُ وهَذَا أَصَح مِنْ حَدِيث اللّيْثِ‏.‏

1291- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏.‏ حدثنا سُفْيَانُ عَنِ السّدّيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ عَبّادٍ، عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ سُئِلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيُتّخَذُ الْخَمْرُ خَلا‏؟‏ قَالَ ‏"‏لا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيح‏.‏

1292- حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ قال أبو عيسى أبا عَاصِمٍ عَنْ شَبِيبٍ بنِ بَشْرٍ، عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏.‏ لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الْخَمرِ عَشرَةً‏:‏ عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا والمحمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وبَائِعَهَا وآكِلَ ثَمنِها والمشتري لَهَا والمشْترَاةَ لَهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديث غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أنَسٍ‏.‏ وقدْ رُوِيَ نحْوُ هذا عَنْ ابن عَبّاس وَابنِ مَسْعُود وابنِ عُمَرَ عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأيتام‏)‏ صفة خمر أي اشتريتها للتخليل كذا في بعض الحواشي‏.‏ ويحتمل أن يتعلق باشتريت أي اشتريتها لأجلهم ويكون هذا قبل التحريم، ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هلى ألقيه أو أهريقه‏.‏ فيكون في معنى الحديث السابق، يعني حديث أبي سعيد قال‏:‏ كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقلت إنه ليتيم فقال ‏"‏أهريقوه‏"‏‏.‏ رواه الترمذي ويناسبه معنى رواية أبي داود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً قال ‏"‏أهرقها‏"‏ قال‏:‏ أفلا أجعلها خلاً‏؟‏ قال ‏"‏لا‏"‏‏.‏ كذا في اللمعات‏.‏ ‏(‏في حجري‏)‏ صفة لأيتام ‏(‏واكسر الدنان‏)‏ بكسر الدال جمع الدن وهو ظرفها، وإنما أمر بكسره لنجاسته بتشربها وعدم إمكان تطهيره أو مبالغة للزجر عنه وعما قاربها‏.‏ كما كان التغليظ في أول الأمر ثم نسخ كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه الجماعة ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه الأصبهاني ذكره المنذري في الترغيب ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمر اليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها‏.‏ ‏(‏وابن مسعود‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏وابن عمر‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏ ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي طلحة روى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده‏)‏ فالحديث على رواية السدى من مسند أنس رضي الله عنه‏.‏ وأما على رواية الليث فهو من مسند أبي طلحة رضي الله عنه‏.‏ والسدى هذا هو الكبير واسمه اسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي صدوق يهم، كان يقعد في سدة باب الجامع فسمي بالسدى بضم السين وتشديد الدال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالا لا‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو غير ذلك مما يلقى فيها فهي باقية على نجاستها، وينجس ما ألقي فيها‏.‏ هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة‏:‏ تطهر‏.‏ وعن مالك ثلاث روايات أصحها‏:‏ أن التخليل حرام فلو خللها عصى وطهرت‏.‏ والثانية حرام ولا تطهر‏.‏ والثالثة حلال وتطهر‏.‏ وأجمعوا أنها إذا انتقلت بنفسها خلا طهرت وقد يحكى عن سحنون المالكي أنها لا تطهر فإن صح عنه فهو محجوج بإجماع من قبله انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الخمر‏)‏ ظرفية مجازية أو تعليلية أي في شأنها أو لأجلها ‏(‏عشرة‏)‏ أي عشرة أشخاص ‏(‏عاصرها‏)‏ بالنصب بدلاً عن المفعول به وهو من يعصرها بنفسه لنفسه أو لغيره ‏(‏ومعتصرها‏)‏ من يطلب عصرها لنفسه أو غيره ‏(‏والمحمولة إليه‏)‏ أي من يطلب أن يحملها أحد إليه ‏(‏وبائعها‏)‏ أي عاقدها ولو كان وكيلاً أو دلالاً ‏(‏والمشتري‏)‏ أي للشرب أو للتجارة بالوكالة أو غيرها ‏(‏لها‏)‏ أي للخمر ‏(‏والمشتراة له‏)‏ بصيغة اسم المفعول أي الذي اشتريت الخمر له قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من حديث أنس‏)‏ رضي الله عنه وأخرجه ابن ماجه ‏(‏وقد روى نحو هذا عن ابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان والحاكم كذا في الترغيب ‏(‏وابن مسعود‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏وابن عمر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏

878- باب مَا جَاءَ فِي احْتِلاَبِ الْموَاشِي بِغَيْرِ إذْنِ الأرْبَاب

‏(‏باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب‏)‏ أي بغير إذن أرباب المواشي‏.‏ وهي جمع الماشية، قال في القاموس‏:‏ الماشية الإبل والغنم انتهى‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ الماشية جمعها المواشي وهي اسم يقع على الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يستعمل في الغنم انتهى

1293- حدثنا أَبُو سَلَمةَ يَحْيى بنُ خَلَفٍ‏.‏ حَدّثنَا عَبْدُ الأعْلَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسن، عْنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبِ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏إذَا أتى أحَدُكُم عَلَى مَاشِيَةٍ، فإنْ كانَ فِيها صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأذِنْهُ‏.‏ فإنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ ولْيَشْرَبْ‏.‏ وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أحَدٌ فَلْيُصَوّتْ ثَلاَثاً‏.‏ فَإنْ أجَابَهُ أحَدٌ فَلْيَسْتَأَذِنْهُ‏.‏ فإِنْ لَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ فَلْيَحْتَلِبْ ولْيَشْرَبْ ولاَ يَحْمِلْ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وأبِي سَعِيد‏.‏

قال أبو عيسى حديث سَمُرَةَ حديث حسنٌ غريب والْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإسْحاقُ‏.‏

قال أبو عيسى وَقَالَ عَليّ بنُ الْمدِينيّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحيحٌ‏.‏ وَقَدْ تَكلّم بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ في رِوَايَةِ الحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، وَقَالُوا‏:‏ إِنمَا يُحَدّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أتى أحدكم على ماشية‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أتى متعد بنفسه وعداه بعلي لتضمنه معنى نزل، وجعل الماشية بمنزلة المضيف‏.‏ وفيه معنى حسن التعليل وهذا إذا كان الضيف النازل مضطراً انتهى‏.‏ ‏(‏فليستأذنه‏)‏ بسكون اللام ويجوز كسرها ‏(‏فليصوت‏)‏ بتشديد الواو أي فليصح وليناد ‏(‏ولا يحمل‏)‏ أي منه شيئاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتي مشربته، فتكسر خزانته، فينتقل طعامه‏؟‏ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه‏"‏‏.‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وأبي سعيد‏)‏ أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ‏:‏ إذا أتيت على راع فناده ثلاثاً فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد‏.‏ الحديث‏.‏ وذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح وقال‏:‏ أخرجه ابن ماجه والطحاوي وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث سمرة حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد فذكره وقد تقدم آنفاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ قال القاري قال في شرح السنة‏:‏ العمل على هذا يعني على حديث ابن عمر المذكور عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذن إلا إذا اضطر في مخمصة، ويضمن وقيل لا ضمان عليه لأن الشرع أباحه له‏.‏ وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضاً إذا لم يكن المالك حاضراً‏.‏ فإن أبا بكر رضي الله عنه حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم رجل من قريش يرعاها عبد له وصاحبها غائب في هجرته إلى المدينة‏.‏ ولما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا أتى أحدكم على ماشية‏"‏‏.‏ الحديث‏.‏ وقد رخص بعضهم لابن السبيل في أكل ثمار الغير‏.‏ ولما روي عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد غريب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏من دخل حائطاً ليأكل غير متخذ خبنة فلا شيء عليه‏"‏‏.‏ وعند أكثرهم لا يباح إلا بإذن المالك إلا بضرورة مجاعة كما سبق‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ وحمل بعضهم هذه الأحاديث على المجاعة والضرورة لأنها لا تقاوم النصوص التي وردت في تحريم مال المسلم انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح تحت حديث ابن عمر المذكور قال ابن عبد البر في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه على ما هو أولى منه‏.‏ وبهذا أخذ الجمهور لكن سواء كان بإذن خاص أو إذن عام‏.‏ واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه وإن لم يقع منه إذن خاص ولا عام‏.‏ وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب سواء علم بطيب نفسه أو لم يعلم والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعاً‏:‏ إذا أتى أحدكم على ماشية الحديث‏.‏ وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح وأولى أن يعمل به وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه‏.‏ ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع‏.‏ منها- حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه والنهي على ما إذا لم يعلم ومنها- تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره أو بالمضطر أو بحال المجاعة مطلقاً وهي متقاربة‏.‏ ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار‏.‏ لحديث أبي هريرة‏:‏ بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلاً مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم‏.‏ أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب‏"‏‏؟‏ قلنا لا‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فإن ذلك كذلك‏"‏‏.‏ أخرجه أحمد وابن ماجه واللفظ له‏.‏ وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً وحديث النهي على ما إذا كان مستغنياً‏.‏ ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث‏.‏ لكن وقع عند أحمد في آخره‏:‏ فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ولا تحملوا‏.‏ فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه‏.‏ واختار ابن العربي الحمل على العادة قال وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا‏.‏ وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو‏.‏ وآخرون على قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين وقال الطحاوي‏:‏ وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك وقال النووي في شرح المهذب‏.‏ اختلف العلماء في من مر ببستان أو زرع أو ماشية‏.‏ قال الجمهور‏:‏ لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور‏.‏ وقال بعض السلف‏:‏ لا يلزمه شيء‏.‏ وقال أحمد‏:‏ إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين‏.‏

ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالين‏.‏ وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث، قال البهيقي‏:‏ يعني حديث ابن عمر مرفوعاً‏:‏ إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة‏.‏ أخرجه الترمذي واستغربه‏.‏ قال البهيقي‏:‏ لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية قال‏:‏ الحافظ‏:‏ والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح‏.‏ وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها‏.‏ انتهى كلام الحافظ مختصراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال علي بن المديني‏:‏ سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة‏)‏ وقال الترمذي في باب كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‏:‏ سماع الحسن من سمرة صحيح هكذا قال علي بن المديني وغيره انتهى‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعاً منه لحديث العقيقة‏.‏ وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع‏.‏ وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى القطان وآخرون‏:‏ هي كتاب‏.‏ وذلك لا يقتضي الانقطاع‏.‏ وفي مسند احمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن فقال إن عبداً له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده‏.‏ فقال الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة‏.‏ وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة‏.‏ وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة‏:‏ دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد انتهى‏.‏

879- باب مَا جَاءَ في بَيْع جُلودِ الْميتَةِ والأصْنَام

1294- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنَا اللّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، أنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، عَامَ الْفَتْحِ وهُوَ بِمَكّةَ، يَقُولُ ‏"‏إنّ الله وَرَسُولَهُ حَرّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْميْتَةِ والخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ‏"‏ فَقِيلَ‏:‏ يا رَسُولَ الله أرَأيْتَ شُحُومَ الْميْتَةِ‏؟‏ فإنّهُ يُطْلَى بِهَا السّفُنُ ويُدهَنُ بِها الْجُلودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النّاسُ‏؟‏ قالَ لا ‏"‏هُوَ حَرامٌ‏"‏‏.‏

ثمّ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذلِكَ ‏"‏قَاتَلَ الله اليَهُودَ‏.‏ إنّ الله حَرّمَ عَلَيْهِمُ الشّحُومَ فَأجْمَلُوهُ ثمّ باعُوهُ فَأَكَلُوا ثمَنَهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عام الفتح وهو مكة‏)‏ فيه بيان تاريخ ذلك وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه ‏(‏إن الله ورسوله حرم‏)‏ هكذا وقع في هذا الكتاب وفي الصحيحين وغيرهما بإسناد الفعل إلى الضمير الواحد‏.‏ وكان الأصل حرماً‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا ووجه الإشارة إلى أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ عن أمر الله، وهو نحو قوله‏:‏ والله ورسوله أحق أن يرضوه‏.‏ والمختار في هذا الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، والتقدير عند سيبويه‏:‏ والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه انتهى‏.‏ ‏(‏بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام‏)‏ أي وإن كانت من ذهب أو فضة ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏شحوم الميتة فإنه يطلى به‏)‏ الضمير يرجع إلى شحم الميتة على تأويل المذكور قاله الطيبي قال القاري‏:‏ والأظهر أنه راجع إلى الشحم المفهوم من الشحوم ‏(‏السفن‏)‏ بضمتين جمع السفينة ‏(‏ويدهن‏)‏ بتشديد الدال ‏(‏ويستصبح‏)‏ بكسر الموحدة أي ينور ‏(‏بها الناس‏)‏ أي المصباح أو بيوتهم يعني فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع ‏(‏قال لا هو حرام‏)‏ قال الحافظ أي البيع هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه ومنهم من حمل قوله وهو حرام على الانتفاع فقال‏:‏ يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ‏.‏ واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز‏.‏ وقال أحمد وابن الماجشون‏:‏ لا ينتفع بشيء من ذلك‏.‏ واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق‏.‏ انتهى كلام الحافظ ‏(‏قاتل الله اليهود‏)‏ أي أهلكهم ولعنهم إخبار أو دعاء ‏(‏إن الله حرم عليهم الشحوم‏)‏ أي شحوم الغنم والبقر قال الله تعالى ‏{‏ومن الغنم والبقر حرمنا عليهم شحومهما‏}‏ فأجملوه أي أذابوه‏.‏ قال في النهاية‏:‏ جملت الشحم وأجملته أذبته‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ جمل الشحم أذابه كأجمله واجتمله‏.‏ واحتالوا بذلك في تحليله وذلك لأن الشحم المذاب لا يطلق عليه لفظ الشحم في عرف العرب بل يقولون إنه الودك ‏(‏ثم باعوه فأكلوا ثمنه‏)‏ الضمير المنصوب في هذه الجمل الثلاث راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور أو إلى الشحم المفهوم من الشحوم كما تقدم‏.‏ قال في شرح السنة‏:‏ فيه دليل على بطلان كل حيلة تحتال للتوصيل إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيأته وتبديل اسمه انتهى‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن عمر‏)‏ مرفوعاً‏:‏ قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها‏.‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود‏:‏ قوله ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

880- باب ما جَاء في الرّجُوعِ في الْهِبَة

1295- حدثنا أحمدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ‏.‏ حدثنا عَبْدُ الوهّابِ الثّقَفِيّ حدثنا أيّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السّوءِ‏.‏ الْعَائِدُ في هِبَتِهِ كالْكلْبِ يَعُودُ في قَيْئِهِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فَيَرْجِعَ فِيهَا‏.‏ إلاّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ‏"‏‏.‏

1296- حدثنا بِذلِكَ مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا ابنُ عَدِيّ عنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلّمِ، عنْ عَمْروِ بنِ شُعَيْبٍ أَنّهُ سَمِعَ طَاوُساً يُحَدّثُ عنِ ابنِ عُمرَ وابنِ عَبّاسٍ، يَرْفَعَانِ الْحَدِيثَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، بِهذَا الْحدِيثِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجع فَيها ومن وهب هبة لغير ذي رحِمٍ محْرم فله أن يرجع فيها، مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا وهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ‏.‏ وقالَ الشّافِعِيّ‏:‏ لا يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فيَرْجِعَ فِيهَا إلاّ الْوَالِدَ فِيما يُعْطِي وَلَدَهُ‏.‏ واحْتَجّ الشّافِعِيّ بحَدِيثِ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ عنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لاَ يَحِلّ لأِحَدٍ أنْ يُعْطِيَ عَطِيّةً فيَرْجِعَ فِيهَا، إلاّ الْوَالِدَ فِيما يُعْطِي وَلَدَهُ‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ليس لنا مثل السوء‏)‏ أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال الله سبحانه وتعالى ‏(‏للذين لا يؤمنون بالاَخرة مثل السوء والله المثل الأعلى‏)‏ ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال لا تعودوا في الهبة‏.‏ وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض، ذهب جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده جميعاً بين هذا الحديث وحديث النعمان بن بشير ‏(‏العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ العائد في هبته كالعائد في قيئه‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ قوله‏:‏ قوله كالعائد في قيئة وإن اقتضى التحريم لسكون القيء حراماً‏.‏ لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب تدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراماً عليه‏.‏ والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب‏.‏ وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله من‏:‏ لعب بالنرد شير فكأنما غمس يده في لحم خنزير‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله ‏(‏لا يحل لأحد أن يعطى عطية فيرجع‏)‏ بالنصب عطف على يعطى ‏(‏فيها‏)‏ أي في عطيته ‏(‏إلا الوالد‏)‏ بالنصب على الاستثناء‏.‏ واحتج به من قال بتحريم الرجوع في الهبة إلا هبة الوالد لولده وهم جمهور العلماء‏.‏ قوله ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه‏.‏ قوله ‏(‏قالوا من وهب هبة لذي رحم محرم فليس له أن يرجع في هبته، ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب‏)‏ بصيغة المجهول أي ما لم يعوض ‏(‏منها‏)‏ أي من هبته ‏(‏وهو قول الثوري‏)‏ وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله‏.‏ قال القاضي رحمه الله‏:‏ حديث ابن عمر وابن عباس نص صريح على أن جواز الرجوع مقصور على ما وهب الوالد من ولده‏.‏ وإليه ذهب الشافعي وعكس الثوري وأصحاب أبي حنيفة وقالوا‏:‏ لا رجوع للواهب فيما وهب لولده أو لأحد من محارمه، ولأحد الزوجين فيما وهب للاَخر‏.‏ وله الرجوع فيما وهب للأجانب‏.‏ وجوز مالك الرجوع مطلقاً إلا في هبة أحد الزوجين من الاَخر‏.‏ وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله لا يحل معناه التحذير عن الرجوع لا نفي الجواز عنه، كما في قولك لا يحل للواجد رد السائل‏.‏ وقوله إلا الوالد لولده‏.‏ معناه أن له أن يأخذ ما وهب لولده ويتصرف في نفقته وسائر ما يجب له عليه وقت حاجته كسائر أمواله استيفاء لحقه من ماله لا استرجاعاً لما وهب ونقضاً للهبة وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا دليل انتهى كلام القاضي قال القاري في المرقاة متعقباً عليه‏:‏ المجتهد أسير الدليل وما لم يكن له دليل لم يحتج إلى التأويل انتهى‏.‏ قلت قد أخرج مالك عن عمر أنه قال‏:‏ من وهب هبة يرجو ثوابها وهي رد على صاحبها ما لم يثب منها‏.‏ ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعاً وصححه الحاكم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعاً، قيل وهو وهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ‏:‏ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعاً بلفظ، إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع‏.‏ ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ‏.‏ وسنده ضعيف‏.‏ قال ابن الجوزي‏:‏ أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة‏.‏ وليس منها ما يصح‏.‏ وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل منه‏.‏

قال الشوكاني بعد ذكر هذه الروايات‏:‏ فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الإثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم انتهى‏.‏ ‏(‏وقال الشافعي لا يحل الخ‏)‏ وبه قال جمهور العلماء كما عرفت‏.‏

881- باب مَا جَاءَ في الْعَرَايَا والرّخْصَةِ في ذلِك

‏(‏باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك‏)‏ العرايا جمع العرية وهي عطية ثمر النخل دون الرقبة، كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن دون الرقبة‏.‏ والعرية فعيلة بمعنى فعولة، أو فاعلة، يقال عرى النخل بفتح العين والراء بالتعدية يعروها إذا أفردها عن غيرها بأن أعطاها لاَخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها، ويقال عريت النخل بفتح العين وكسر الراء تعري على أنه قاصر فكأنها عريت عن حكم أخواتها واستثبتت بالعطية واختلف في المراد بها شرعاً‏.‏ فقال مالك‏:‏ والعرية أن يعري الرجل النخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها أي يشتري رطبها منه بتمر كذا نقل البخاري في صحيحه عنه‏.‏ وقال الشافعي في الأم‏:‏ العرايا أن يشتري الرجل ثمن النخلة فأكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصة تمر فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ محصله أن لا يكون جزافاً ولا نسيئة انتهى‏.‏ وقال ابن إسحاق في حديث عن نافع عن ابن عمر‏:‏ كانت العرايا أن يعري الرجل في ما له النخلة والنخلتين كذا في صحيح البخاري قال الحافظ‏:‏ أما حديث ابن إسحاق عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير ابن إسحاق وأما تفسيره فوصله أبو داود عنه بلفظ‏:‏ النخلات‏.‏ وزاد فيه‏:‏ فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها‏.‏ وهذا قريب من الصورة التي قصر مالك العرية عليها انتهى‏.‏ وقال يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين‏:‏ العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر‏.‏ كذا في صحيح البخاري‏.‏ قال الحافظ هذا وصله الإمام أحمد في حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعاً في العرايا‏.‏ قال سفيان ابن حسين فذكره‏.‏ قال الحافظ وصور العرية كثيرة وهذه إحداها‏.‏ قال‏:‏ منها أن يقول الرجل لصاحب حائط بعني ثمر نخلات بأعيانها بخرصها من التمر فيخرصها أو يبيعه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات بالنخلية فينتفع برطبها‏.‏ منها أن يهبه إياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمراً ولا يحب أكلها رطباً لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذ معجلاً ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثنى منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله، وهي التي عفى له عن خرصها في الصدقة وسميت عراياً لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لا نقد لهم وعندهم فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمر من رطب تلك النخلات بخرصها، ومما يطلق عليه اسم عرية أي يعري رجلاً ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذه هبة مخصوصة ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحاجة من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لا بيع فيهما‏.‏ وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور‏.‏ وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية‏.‏ وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع، وزاد انه رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشتروه لتجارة ولا ادخار، ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة، وهو أن يعري الرجل تمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك له ثم يبدو له في ارتجاع تلك الهبة، فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب بخرصه تمراً، وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع التمر بالتمر‏.‏ وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في حديث ابن عمر كما تقدم وفي حديث غيره وحكى الطحاوي عن عيسى بن أبان من أصحابهم أن معنى الرخصة أن الذي وهبت العرية لم يملكها لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض فلما جاز له أن يعطي بدلها تمراً وهو لم يملك البدل منه حتى يستحق البدل كان ذلك مستثنى وكان رخصة وقال الطحاوي بل معنى الرخصة فيه أن المرء مأمور بإمضاء ما وعد به ويعطي بدله ولم لم يكن واجباً عليه، فلما أذن له أن يحبس ما وعد به ويعطى بدله ولا يكون في حكم من أخلف وعده‏.‏ ظهر بذلك معنى الرخصة‏.‏ واحتج لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية العطية ولا حجة في شيء منها‏.‏ لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق العرية شرعاً على صور أخرى‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة قال‏:‏ ونظير ذلك الإذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تبع ما ليس عندك‏"‏‏.‏ قال فمن أجاز السلم مع كونه مستثنى من بيع ما ليس عندك، ومنع العرية مع كونها مستثناة مع بيع الثمر بالتمر، فقد تناقض‏.‏ وأما حملهم الرخصة على الهبة فبعيد مع تصريح الحديث بالبيع واستثناء العرايا منه، فلو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع، ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون إلا بعد ممنوع، والمنع إنما كان في البيع لا الهبة‏.‏

وبأن الرخصة قيدت بخمسة أوسق أو ما دونها، والهبة لا تتقيد لأنهم لم يفرقوا في الرجوع في الهبة بين ذي رحم وغيره وبأنه لو كان الرجوع جائزاً فليس إعطاؤه بالتمر بدل الرطب بل هو تجديد هبة أخرى‏.‏ فإن الرجوع لا يجوز فلا يصح تأويلهم انتهى

1297- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثنَا عَبْدَةُ عنْ مُحَمّدِ بنِ إسْحَاقَ‏.‏ عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنِ الْمُحَاقَلَةِ والْمُزَابَنَةِ‏.‏ إلا أَنّهُ قَدْ أَذِنَ لأِهْلِ الْعَرَايَا أنْ يَبِيعُوهَا بِمثْلِ خَرْصِهَا قال وفي البابِ عنْ أبي هُرَيْرَة وجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ هكذَا‏.‏ رَوَى مُحَمّدُ بنُ إسْحَاقَ هذَا الْحَدِيثَ، ورَوَى أَيّوبُ وعُبَيْدُ الله بنُ عُمرَ ومَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن نافع، عنِ ابنِ عُمرَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة وبهذا الاسناد عن ابن عمر عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رَخّصَ في الْعَرَايا وهذا أصح من حديث محمد بن أسحاق‏.‏

1298- حدثنا أبو كُرَيْبٍ‏.‏ حدّثنَا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عنْ مَالِكِ بن أنس، عنْ دَاوُدَ بنِ حُصَيْن، عنْ أبي سُفْيَانَ مَوْلَى ابنِ أَبي أحْمَدَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رخّصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، أوْ كَذَا‏.‏ حدّثنَا قُتَيْبَةُ عنْ مَالِكٍ، عنْ دَاوُدَ بنِ حُصَيْنٍ، نحوَهُ‏.‏ وَرُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ عنْ مَالِكٍ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا في خَمْسَةِ أوْسُقٍ، أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏.‏

1299- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدثنَا حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أَيّوبَ، عنْ نافِعٍ، عَنِ ابنِ عمَرَ، عنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أرْخَصَ في بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وحدِيث أبِي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَيْهِ عنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ مِنْهُمُ الشّافِعِيّ وأحْمَدُ وإسْحَاقُ‏.‏ وقَالُوا‏:‏ إنّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ مِن جُملَةِ نَهْيِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ إذْ نَهَى عنِ الْمُحَاقَلةِ والْمُزَابَنَةِ‏.‏ واحْتَجّوا بِحَدِيثِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ وحدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ، وقَالُوا لَهُ أنْ يَشترِيَ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ‏.‏ ومَعْنَى هَذَا عِنْدَ بعْضِ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ التّوْسِعَةَ عَليْهِمْ في هذَا، لأَنهُمْ شَكَوْا إلَيْهِ وقَالوا‏:‏ لاَ نَجِدُ مَا نَشْتَرِي مِنْ الثّمَرِ إلاّ بِالتّمْرِ، فَرَخّصَ لَهُمْ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ أنْ يَشَترُوهَا، فَيَأْكُلُوهَا رُطَباً‏.‏

1300- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الحلوانيّ الْخَلالُ‏.‏ حدّثنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الوَلِيدِ بنِ كثِيرٍ‏.‏ حدّثنَا بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ مَولَى بَنِي حَارِثَةَ أنّ رَافِعَ ابنَ خَدِيجٍ و سَهْلَ بنَ أبي حَثمَةَ حَدّثَاهُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، الثّمَرِ بِالتّمْرِ، إلاّ لأِصْحَابِ الْعَرَايَا‏.‏ فَإِنّه قدْ أذِنَ لَهُمْ‏.‏ وعنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزّبِيبِ وعنْ كلّ ثَمَرٍ بخرصه‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ غَرِيبٌ مِنْ هذَا الْوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن المحاقلة والمزابنة‏)‏ قد تقدم تفسيرها أيضاً وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر ‏(‏إلا أنه قد أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها‏)‏ الخرص بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء الحرز والاسم بالكسر‏.‏ قال في النهاية‏:‏ خرص النخلة والكرمة يخرصها خرصاً إذا حزر ما عليها من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً‏.‏ فهو من الخرص الظن‏.‏ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن والاسم الخرص بالكسر‏.‏ يقال كم خرص أرضك انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي وأخرجه الشيخان أيضاً ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه أحمد والشافعي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هكذا روى محمد بن إسحاق هذا الحديث وروى أيوب الخ‏)‏ يعني روى محمد بن إسحاق النهي عن المحاقلة والمزابنة والرخصة في العرايا كليهما عن ابن عمر عن زيد بن ثابت‏.‏ وروى أيوب وغيره النهي عن المحاقلة والمزابنة عن ابن عمر رضي الله عنه بغير واسطة زيد بن ثابت والرخصة في العرايا عن ابن عمر عن زيد بن ثابت‏.‏ ورواية أيوب وغيره أصح من رواية ابن إسحاق‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ مراد الترمذي أن التصريح بالنهي عن المزابنة لم يرد في حديث زيد بن ثابت وإنما رواه ابن عمر بغير واسطة وروى ابن عمر استثناء العرايا بواسطة زيد بن ثابت‏.‏ فإن كانت رواية ابن إسحاق محفوظة‏.‏‏.‏ احتمل أن يكون ابن عمر حمل الحديث كله عن زيد بن ثابت وكان عنده بعضه بغير واسطة‏.‏ قال وأشار الترمذي إلى أن ابن إسحاق وهم فيه‏.‏ والصواب التفصيل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق‏)‏ شك من الراوي والوسق ستون صاعاً‏.‏ وقد اعتبر من قال بجواز بيع العرايا بمفهوم هذا العدد ومنعوا ما زاد عليه واختلفوا في جواز الخمسة لأجل الشك المذكور‏.‏ والخلاف عند المالكية والشافعية‏.‏ والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها، وعند الشافعية الجواز فيما دون الخمسة‏.‏ ولا يجوز في الخمسة وهو قول الحنابلة وأهل الظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرخص‏)‏ وفي رواية البخاري ومسلم رخص من الترخيص ‏(‏بخرصها‏)‏ وفي رواية الشيخين بخرصها كيلا‏.‏ ولمسلم رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً بأكلونها رطباً‏.‏ وأخرجه الطبراني من طريق أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ‏:‏ رخص في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمراً زاد فيه‏:‏ يوهبان للرجل‏.‏ وليس بقيد عند الجمهور، قاله الحافظ‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏، وأخرجه الشيخان أيضاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل عليه عند بعض أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا إن العرايا مستثناة الخ‏)‏‏.‏ وأما قول الإمام أبي حنيفة أن العرايا ليست بمستثناة من بيع الثمر بالتمر بل هبة، فقد تقدم ما فيه في كلام الحافظ فتذكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الثمر بالتمر‏)‏ الأول بالثاء المثلثة والثاني بالتاء المثناة الفوقانية وهذا تفسير المزابنة ‏(‏وعن كل ثمر بخرصها‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها‏.‏ وجزم ابن العربي بالكسر وأنكر الفتح، وجوزهما النووي وقال‏:‏ الفتح أشهر انتهى‏.‏ والخرص هو التخمين والحدس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه مسلم وأخرجه البخاري من حديث سهل بن أبي حثمة وحده‏.‏

882- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ النّجْشِ في البيوع

‏(‏باب ما جاء في كراهية النجش في البيوع‏)‏ قال في النهاية‏:‏ هو أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها ليقع غيره فيها‏.‏ والأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشاً‏.‏ وفي الشرع الزيادة في ثمن السلعة ممن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، سمي بذلك لأن الناجش يثير الرغبة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له انتهى

1301- حدثنا قُتَيْبَةُ وَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قالاَ‏:‏ حدّثنَا سُفْيَانُ، عنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيّبِ، عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لاَ تَنَاجَشُوا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابنِ عُمَرَ وأنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا النّجْشَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ والنّجْشُ أنْ يَأْتِي الرّجُلُ الّذِي يفصل السّلْعَةَ إلَى صَاحِبِ السّلعَةِ فَيسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمّا تَسْوَى‏.‏ وَذلِكَ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُ الْمشْترِي، يُرِيدُ أنْ يَغْترّ المُشْتري بِهِ، ولَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الشّرَاءُ‏.‏ إنّمَا يُرِيدُ أنْ نخدع المُشْترِي بِمَا يَسْتَامُ‏.‏ وهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ‏.‏

قالَ الشّافِعِيّ‏:‏ وإنْ نَجَشَ رَجُلٌ، فَالنّاجِشُ آثِمٌ فِيما يَصْنَعُ، والبَيْعُ جَائِزٌ‏.‏ لأِنّ الْبَائِعَ غَيْرُ النّاجِشِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لا تناجشوا‏)‏ قال الحافظ ذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أن يفعل له مثله انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم بلفظ‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش ‏(‏وأنس‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ‏(‏فيستام بأكثر مما تسوى‏)‏ أي بأكثر مما تساويه السلعة يعني يستام بأكثر من قيمة السلعة‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وهو لا يساوي شيئاً ولا يسوي كيرضى انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال الشافعي‏:‏ وإن نجش رجل فالناجش آثم فيما يصنع والبيع جائز لأن البائع غير الناجش‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله‏.‏ واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر‏.‏ ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه‏.‏ والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياساً على المصراة‏.‏ والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم وهو قول الحنفية‏.‏ وقال الرافعي أطلق الشافعي في المختصر تعصية الناجش وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالماً بالنهي‏.‏ وأجاب الشارحون بأن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وإن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك فيه كل أحد، واشتشكل الرافعي الفرق بأن البيع على بيع أخيه إضرار والإضرار يشترك في علم تحريمه كل أحد قال فالوجه تخصيص المعصية في الموضعين بمن علم التحريم انتهى‏.‏ وقد حكى البيهقي في المعرفة والسنن عن الشافعي تخصيص التعصية في النجش أيضاً بمن علم النهي فظهر أن ما قاله الرافعي بحثاً منصوص‏.‏ ولفظ‏:‏ الشافعي النجش أن يحضر الرجل السعلة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوم فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه‏.‏ فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالماً بالنهي، والبيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏

883- باب مَا جَاءَ في الرّجْحَانِ في الْوَزْن

1302- حدثنا هَنّادٌ وَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالاَ‏:‏ حدّثنَا وَكِيعٌ، عنْ سُفْيَانَ، عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ سُوَيْدِ بنِ قَيْسٍ قالَ‏:‏ جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيّ بَزّاً منْ هَجَرٍ‏.‏ فَجَاءَنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ‏.‏ وعِنْدِي وزّانٌ يَزِنُ بِالأجْرِ‏.‏ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لِلْوَزّانِ ‏"‏زِنْ وأرْجِحْ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ جَابرٍ وأبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ سُوَيْدٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأهْلُ العِلْمِ يَسْتَحِبّونَ الرّجْحَانَ في الوَزْنِ‏.‏

وَرَوَى شُعْبَةُ هذَا الْحَديثَ عنِ سمَاكٍ، فَقَالَ‏:‏ عَنْ أبي صَفْوَانَ‏.‏ وَذَكَرَ الحَدِيثَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سويد‏)‏ بالتصغير قال في التقريب سويد بن قيس صحابي له حديث السراويل نزل الكوفة ‏(‏جلبت أنا‏)‏ قال في القاموس‏:‏ جلبه يجلبه جلباً وجلبا واجتلبه ساقه من موضع إلى موضع آخر انتهى‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ الجلب كشيدن جليب أنجه ازشهر بشهر برند بفروختن ‏(‏ومخرفة‏)‏ بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فراء ثم فاء ويقال بالميم والصحيح الأول كذا في الاستيعاب ‏(‏بزا‏)‏ بتشديد الزاء قال في القاموس‏:‏ البز الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها وبائعه البزاز وحرفته البزازة انتهى‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ قال محمد رحمه الله في السير البز عند أهل الكوفة ثياب الكتان والقطن لا ثياب الصوف والخز ‏(‏من هجر‏)‏ بفتحتين موضع قريب من المدينة وهو مصروف قاله القاري‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ وهجر محركة بلد باليمن بينه وبين عشر يوم وليلة، مذكر مصروف وقد يؤنث ويمنع واسم لجميع أرض البحرين ومنه المثل كمبضع تمر إلى هجر وقرية كانت قرب المدينة وإليها تنسب القلال أو تنسب إلى هجر اليمن انتهى‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة ‏(‏فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد في رواية النسائي ونحن بمنى ‏(‏فساومنا بسراويل‏)‏ وفي رواية النسائي فاشترى منا سراويلا‏.‏ قال السيوطى‏:‏ ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل ولم يلبسها‏.‏ وفي الهدى لابن القيم الجوزي أنه لبسها فقيل إنه سبق قلم لكن في مسند أبي يعلي والمعجم الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن أبي هريرة قال‏:‏ دخلت يوماً السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزارين فاشترى سراويل بأربعة دراهم‏.‏ قلت‏:‏ يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل فقال أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه‏.‏ كذا في فتح الودود ‏(‏وعندي وزان يزن‏)‏ أي الثمن ‏(‏بالأجر‏)‏ أي بالأجرة ‏(‏زن‏)‏ بكسر الزاي أي ثمنه ‏(‏وأرجح‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الجيم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ رجح الميزان يرجح مثلثه رجوحاً ورجحاناً مال وأرجح له ورجح أعطاه راجحاً‏.‏ قال الخطابي في الحديث دليل على جواز أخذ الأجرة على الوزن والكيل، وفي معناهما أجرة القسام والحاسب وكان سعيد بن المسيب بنهي عن أجرة القسام وكرهها أحمد بن حنبل فكان في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره إياه به كالدليل على أن وزن الثمن على المشتري وإذا كان الوزن عليه لأن الأيفاء يلزمه فقد دل على أن أجرة الوزان عليه، وإذا كان ذلك على المشتري فقياسه في السلعة المبيعة أن يكون على البائع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر‏)‏ أخرجه البخاري وغيره وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث سويد حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروى شعبة هذا الحديث عن سِمَاك فقال عن أبي صفوان وذكر الحديث‏)‏ فخالف شعبة سفيان فإنه رواه عن سِمَاك عن سويد ابن قيس‏.‏ قال أبو داود في سننه بعد ذكر رواية سفيان ورواية شعبة ما لفظه والقول قول سفيان‏:‏ حدثنا ابن أبي رزمة قال سمعت أبي يقول قال رجل لشعبة‏:‏ خالفك سفيان‏.‏ فقال‏:‏ دمغتني وبلغني عن يحيى بن معين قال كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان‏.‏ حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا وكيع عن شعبة قال كان سفيان أحفظ مني انتهى‏.‏ وقال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ وقال أبو أحمد الكرابيسي أو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس باع من النبي صلى الله عليه وسلم فارجح له وقال أبو عمر النمري‏:‏ أبو صفوان مالك بن عميرة ويقال سويد بن قيس وذكر له هذا الحديث وهذا يدل على أنه عندهما رجل واحد كنيته أبو صفوان واختلف في اسمه انتهى‏.‏

884- باب مَا جَاء في إنْظَارِ المُعْسِرِ وَالرّفْق بِه

‏(‏باب ما جاء في إنظار المعسر والرفق به‏)‏ الإنظار التأخير والإمهال والمعسر الفقير

1303- حدثنا أبو كُرَيْبٍ‏.‏ حدّثَنَا إسْحَاقُ بنُ سُلَيْمانَ الرّازِيّ عنْ دَاوُدَ بنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بنْ أسْلَمَ، عَنْ أبي صَالِحٍ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ أنْظَرَ مُعْسِراً أوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلّهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ تحْتَ ظِلّ عرشِهِ، يَوْمَ لاَ ظِلّ إلاّ ظِلّهُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أبي اليَسَرِ وأَبي قَتَادَةَ وحُذَيْفَةَ وابنِ مَسْعُودٍ وعُبَادَةَ وجابر‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، غرِيبٌ منْ هذَا الوَجْهِ‏.‏

1304- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حَدّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنِ أَبي مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏حُوسِبَ رَجُلٌ مِمّنْ كانَ قَبْلَكُمْ‏.‏ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيْءٌ‏.‏ إلاّ أنّهُ كانَ رَجُلاً مُوسِراً‏.‏ وكانَ يُخَالِطُ النّاسَ‏.‏ وَكانَ يأمُرُ غِلْمَانَهُ أنْ يَتَجَاوَزوا عَنِ المُعْسِر‏.‏ فَقَالَ الله عز وجل‏:‏ نَحْنُ أحَقّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأبو اليسر كعبٍ بن عمرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أنظر معسراً‏)‏ أي أمهل مديوناً فقيراً ‏(‏أو وضع له‏)‏ أي حط وترك دينه كله أو بعضه ‏(‏أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه‏)‏ أي أوقفه الله تحت ظل عرشه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي اليسر‏)‏ بفتحتين أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ‏:‏ من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله ‏(‏وأبي قتادة‏)‏ أخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ‏:‏ من أنظر معسراً أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة‏.‏ ‏(‏وحذيفة‏)‏ أخرجه البخاري ‏(‏وابن مسعود‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب ‏(‏وعبادة‏)‏ لم أقف على حديثه قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حسن صحيح غريب الخ‏)‏ ذكر المنذري هذا الحديث في ترغيبه وعزاه للترمذي وحده وقال معنى وضع له أي ترك له شيئاً مما له عليه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي مسعود‏)‏ اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلب الأنصاري البدري صحابي جليل رضي الله عنه ‏(‏إلا أنه كان رجلاً موسراً‏)‏ أي غنياً ذا مال ‏(‏يخالط الناس‏)‏ أي يعامل الناس بالبيع والشراء ‏(‏أن يتجاوزوا عن المعسر‏)‏ أي الفقير أي يتسامحوا في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير ‏(‏بذلك‏)‏ أي بالتجاوز ‏(‏تجاوزوا عنه‏)‏ أي تسامحوا عنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

885- باب مَا جَاء في مَطْلِ الغْنيّ أنّه ظُلْم

1305- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي حدّثنَا سُفْيَانُ، عَنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏مَطْلُ الْغَنِيّ ظُلْمٌ‏.‏ وَإذَا أُتْبِعَ أحَدُكُم عَلَى مَلِيّ فَلْيَتْبَعْ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنِ ابنِ عمَر والشّريدِ بن سويد الثقفي‏.‏

1306- حدثنا ابراهيم بن عبدالله الهرويّ قال حدثنا هشيم قال حدثنا يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ مظل الغنيّ ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه ولا تتبع بيعتين في بيعة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَمَعْنَاهُ‏:‏ إذَا أُحِيلَ أَحَدُكْم عَلَى مَلِيَ فَلْيَتْبَعْ‏.‏ فقال بَعْضُ أهلِ العِلْمِ‏:‏ إذَا أُحِيلَ الرّجُلُ عَلَى مَلِي فَاحْتَالَهُ فَقَدْ بَرِئ المُحِيلُ وليْسَ لَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَى المُحِيلِ‏.‏ وَهُوَ قَوْل الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏ وقَالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ‏:‏ إذَا تَوَى مَالُ هذَا بإفْلاَس المُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أنْ يَرْجِعَ عَلَى الأوّلِ‏.‏ وَاحتَجُوا بِقَوْلِ عُثمانَ وَغَيْرِهِ حِينَ قَالُوا ‏(‏لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى‏)‏‏.‏ قَالَ إسْحَاقُ‏:‏ مَعْنَى هذَا الحدِيثِ ‏(‏لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى‏)‏ هذَا إذَا أُحِيلَ الرّجُلُ عَلَى آخرَ، وَهُوَ يَرَى أنّهُ مَلِيّ‏.‏ فإذا هُوَ مُعْدِمٌ، فَلَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مطل الغنى‏)‏ أي تأخيره أداء الدين من وقت إلى وقت بغير عذر ‏(‏ظلم‏)‏ فإن المطل منع أداء ما استحق أداؤه وهو حرام من المتمكن ولو كان غنياً ولكنه ليس متمكناً جاز له التأخير إلى الإمكان‏.‏ ذكره النووي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ المراد بالغني هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيراً‏.‏ قال وقوله مطل الغنى هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنياً ولا يكون غناه سبياً لتأخير حقه عنه‏.‏ وإذا كان كذلك في حق الغنى فهو في الفقير أولى‏.‏ ولا يخفي بعد هذا التأويل انتهى‏.‏ ‏(‏فإذا أتبع‏)‏ بضم الهمزة القطعية وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة أي جعل تابعاً للغير بطلب الحق وحاصله إذا أحيل ‏(‏على ملي‏)‏ أي غنى‏.‏ قال في النهاية‏:‏ المليء بالهمزة الثقة الغني وقد أولع الناس فيه بترك الهمزة وتشديد الياء انتهى‏.‏ ‏(‏فليتبع‏)‏ بفتح الياء وسكون التاء وفتح الموحدة أي فليحتل يعني فليقبل الحوالة‏.‏ قال الحافظ ابن حجر في الفتح‏:‏ معنى قوله اتبع فليتبع أي أحيل فليحتل‏.‏ وقد رواه بهذا اللفظ أحمد قال المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي إسكان المثناة في اتبع وفي فليتبع وهو على البناء للمغعول مثل إذا علم فليعلم‏.‏ وقال القرطبي أما اتبع فبضم الهمزة وسكوت التاء مبنياً لما لم يسم فاعله عند الجميع‏.‏ وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم على التشديد، والأول أجود انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وما ادعاه من الاتفاق على اتبع يرده قول الخطابي أن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعض أهل العلم إذا أحيل الرجل على ملي فاحتاله‏)‏ أي فقبل ذلك الرجل الحوالة ‏(‏وليس له‏)‏ أي للرجل المحتال ‏(‏أن يرجع إلى المحيل‏)‏ واستدل على ذلك بأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة فلما شرط علم أنه انتقل انتقالاً لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع‏.‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم إذا توى‏)‏ كرضى أي هلك ‏(‏مال هذا‏)‏ أي المحتال ‏(‏بإفلاس المحال عليه‏)‏ أي موته ‏(‏فله أن يرجع على الأول‏)‏ أي فللمحتال أن يرجع على المحيل وهو قول الحنفية قالوا يرجع عند التعذر وشبهره بالضمان ‏(‏واحتجوا بقول عثمان وغيره حين قالوا ليس على مال مسلم توى‏)‏ على وزن حصى بمعنى الهلاك ‏(‏وهو يرى أنه ملي‏)‏ أي الرجل المحتال يظن أن الاَخر المحال عليه غنى ‏(‏فإذا‏)‏ للمفاجأة ‏(‏هو معدم‏)‏ أي مفلس ‏(‏فليس على مال مسلم توى‏)‏ أي هلاك وضياع‏.‏

886- باب مَا جَاء في المُلاَمَسَةِ والمُنَابَذَةِ

1307- حدثنا أبُو كُريْبٍ وَ مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قَالاَ‏:‏ حَدّثنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ المَنابَذَةِ وَالمُلاَمَسَةِ‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ وَابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى حَديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَمَعْنَى هذَا الحدِيثِ أنْ يَقُولَ‏:‏ إذَا نَبَذْتُ إلَيْكَ الشّيْء فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ يبنِي وَبَيْنَكَ‏.‏ والمُلامَسَةُ أنْ يَقُولَ‏:‏ إذَا لَمسْتَ الشّيءَ فَقَد وَجَبَ البَيْعُ، وإنْ كانَ لاَ يَرَى مِنْهُ شَيْئاً‏.‏ مِثْل مَا يَكُونَ في الجِرابِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وإنّمَا كانَ هذَا مِنْ بُيُوعِ أهْلِ الجَاهِلِيّةِ‏.‏ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المنابذة والملامسة‏)‏ زاد مسلم أما الملامسة فإن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل‏.‏ والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الاَخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة لمس الرجل ثوب الاَخر بيده بالليل أو النهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الاَخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض‏.‏ ‏(‏وابن عمر رضي الله عنه‏)‏ لم أقف على حديثه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا الحديث أن يقول إذا نبذت الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها- أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا لا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير المذكور في الحديث‏.‏ الثاني- أن يجعلا نفس اللمس بيعاً بغير صيغة زائدة‏.‏ الثالث- أن يجعلا اللمس شرطاً في قطع خيار المجلس وغيره والبيع على التأويلات كلها باطل‏.‏ قال وأما المنابذة فاختلفوا أيضاً على ثلاثة أقوال وهي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها- أن يجعلا نفس النبذبيعاً كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير في الحديث‏.‏ والثاني- أن يجعلا النبذ بيعاً بغير صيغة والثالث- أن يجعلا النبذ قاطعاً للخيار‏.‏ قال واختلفوا في تفسير النبذ فقيل هو طرح الثوب كما وقع تفسيره في الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة‏.‏ والصحيح أنه غيره انتهى كلام الحافظ ملخصاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وإن كان لا يرى‏)‏ الواو وصلية ‏(‏منه‏)‏ أي من الشيء البيع ‏(‏مثل ما يكون في الجراب‏)‏ أي مثل المبيع الذي يكون في الجراب وهو بفتح الجيم وكسرها بالفارسية انبان على ما في الصراح وقال في القاموس‏:‏ الجراب بالكسر ولا يفتح أو لغية فيما حكاه عياض وغيره المزود والوعاء ج جُرُب وأجربة انتهى‏.‏ ‏(‏فنهى عن ذلك‏)‏ والعلة في النهي عنه الغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس‏.‏

887- باب مَا جَاءَ في السّلَفِ في الطعَام والتّمر

‏(‏باب ما جاء في السلف في الطعام والثمر‏)‏ السلف بفتحتين السلم وزنا ومعنى‏.‏ قال الجزري في النهاية السلم هو أن تعطي ذهباً أو فضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه انتهى‏.‏ قلت‏:‏ فالثمن المعجل يسمي رأس المال والمبيع المؤجل المسلم فيه ومعطي الثمن رب السلم وصاحبه المبيع المسلم إليه‏.‏ والقياس يأبى عن جواز هذا العقد لأنه داخل تحت بيع ما ليس عنده إلا أنه جوز لورود الأحاديث الصحيحة بذلك‏.‏ وآية المداينة في سورة البقرة دالة على جوازه كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما

1308- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابنِ أبي نجيحٍ، عنْ عَبْدِ الله بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثّمَر فقَالَ ‏"‏مَنْ أسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَنِ ابْنِ أبي أوْفَى وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبْزَى‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ حدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ أجَازُوا السّلَفَ في الطّعَامَ والثّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمّا يُعْرَفُ حَدّهُ وَصِفَتُهُ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا في السّلَمِ في الْحَيَوانِ‏.‏ فَرَأى بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ السّلَمَ في الْحَيَوانِ جَائِزاً وهُوَ قَوْلُ الشّافِعيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَكَرِهَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ مِن أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهم- السّلّم في الْحَيوَانِ‏.‏ وهُو قَوْلُ سُفْيانَ وأهْلِ الْكُوفةِ أبو المنهال اسمه عبدالرحمن بن مطعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏)‏ أي من مكة بعد الهجرة ‏(‏وهم يسلفون في الثمر‏)‏ الجملة حالية والإسلاف إعطاء الثمن في مبيع إلى مدة أي يعطون الثمن في الحال ويأخذون السلعة في المال‏.‏ وفي رواية البخاري ومسلم وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث كذا في المشكاة ‏(‏من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم‏)‏ فيه دلالة على وجوب الكيل والوزن وتعيين الأجل في المكيل والموزون وإن جهالة أحدهما مفسدة للبيع‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ فيه جواز السلم وأنه يشترط أن يكون قدره معلوماً بكيل أو وزن أو غيرهما مما يضبط به، فإن كان مذروعاً كالثوب اشترط ذكر ذرعات معلومة‏.‏ وإن كان معدوداً كالحيوان اشترط ذكر عدد معلوم‏.‏ ومعنى الحديث أنه إن أسلم في مكيل فليكن كيله معلوماً، وإن كان موزوناً فليكن وزنه معلوماً وإن كان مؤجلاً فليكن أجله معلوماً‏.‏ ولا يلزم من هذا اشتراط كون السلم مؤجلاً بل يجوز حالاً لأنه إذا جاز مؤجلاً مع الغرر فجواز الحال أولى لأنه أبعد من الغرر، وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل بل معناه‏:‏ إن كان أجل فليكن معلوماً‏.‏ وقد اختلف العلماء في جواز السلم الحال مع إجماعهم على جواز المؤجل فجوز الحال الشافعي وآخرون ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون، وأجمعوا على اشتراط وصفه بما يضبطه به انتهى كلام النووي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي أبو عيسى ‏(‏وفي الباب عن ابن أبي أوفى وعبد الرحمن ابن أبزى‏)‏ قالا‏:‏ كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، وفي رواية‏:‏ والزيت إلى أجل مسمى قيل‏:‏ أكان لهم زرع‏؟‏ قالا‏:‏ ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجه البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة قوله‏:‏ ‏(‏فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان جائزاً، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ واحتجوا بما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم عند عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ من قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة قال الحافظ في الدراية‏:‏ وفي إسناده اختلاف لكن أخرج البيهقي من وجه آخر قوى عن عبد الله بن عمرو نحوه انتهى‏.‏ ‏(‏وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم السلم في الحيوان‏.‏ وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ واحتجوا بما أخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان‏.‏ قال الزيلعي في نصب الراية‏:‏ قال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى‏.‏ قال صاحب التنقيح وإسحاق بن إبراهيم بن جوفي‏:‏ قال فيه ابن حبان منكر الحديث جداً يأتي عن الثقات بالموضوعات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ روى أحاديث موضوعة انتهى‏.‏ واحتجوا أيضاً بما روى محمد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه قال‏:‏ لا تسلمن ما لنا في شيء من الحيوان وهو موقوف وفيه قصة قال الحافظ الزيلعي‏:‏ قال في التنقيح‏:‏ فيه انقطاع انتهى‏.‏

888- باب مَا جَاءَ في أرْضِ الْمُشترَكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نصِيبه

1309- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ‏.‏ حدّثنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ، عنْ جَابِر بنِ عَبْدِ الله أنّ نبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏مَنْ كانَ لَهُ شَرِيكٌ في حَائِطٍ، فَلاَ يَبِيعُ نَصِيبَهُ مِنْ ذلِكَ حَتّى يَعْرِضَهُ على شَرِيكهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتّصل سَمِعْتُ مُحَمّداً يَقُولُ‏:‏ سُلَيْمَانُ اليَشْكُرِيّ، يُقَالُ إِنّهُ مَاتَ في حَيَاةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏ قالَ‏:‏ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَتَادَةُ وَلاَ أبو بِشْرٍ‏.‏ قالَ مُحَمّدٌ‏:‏ وَلاَ نَعْرِف لأَحَدٍ مِنْهُمْ سَمَاعاً مِنْ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ‏.‏ إلاّ أَنْ يَكُونَ عَمْرو بنُ دِينَارٍ‏.‏ فَلَعَلّهُ سَمِعَ مِنْهُ في حَيَاةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏ قالَ‏:‏ وَإنمَا يُحَدّثُ قَتَادَةُ عنْ صَحِيفَةِ سُلَيمانَ الْيَشْكُرِيّ‏.‏ وَكَانَ لَهُ كِتَاب عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله حدثنل أبو بكر العطّار عبد القدوس قال‏:‏ عَلِيّ بنُ الْمَدِينِيّ‏:‏ قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏:‏ قالَ سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ‏:‏ ذَهَبُوا بِصَحِيفَةِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ فَأَخَذَهَا، أَوْ قالَ فَرَوَاهَا‏.‏ وذهَبُوا بِهَا إلَى قَتَادَةَ فَرَوَاهَا‏.‏ وأَتوني بهَا فَلَمْ أردهَا يقول رددتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان اليشكرى‏)‏ بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الكاف هو سليمان بن قيس ثقة قال أبو داود‏:‏ مات في فتنة ابن الزبير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏من كان له شريك في حائط‏)‏ أي بستان ‏(‏من ذلك‏)‏ أي من ذلك الحائط ‏(‏حتى يعرضه على شريط‏)‏ وفي رواية مسلم‏.‏ لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به انتهى‏.‏ قال النووي وهذا محمول عندنا على الندب إلى إعلامه وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه وليس بحرام‏.‏ ويتأولون الحديث على هذا ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال‏.‏ ويكون الحلال بمعنى المباح وهو مستوى الطرفين والمكروه ليس بمباح مستوى الطرفين بل هو راجح الترك‏.‏ واختلف العلماء فيما لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة‏.‏ فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم وعثمان البتي وابن أبي ليلى وغيرهم له أن يأخذ بالشفعة وقال الحكم والثوري وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له الأخذ‏.‏ وعن أحمد روايتان كالمذهبين انتهى كلام النووي‏.‏

قال الشوكاني في النيل متعقباً على من قال إنه يصدق على المكروه، إنه ليس بحلال ما لفظه‏:‏ هذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصاً بما كان مباحاً أو مندوباً أو واجباً وهو ممنوع‏.‏ فإن المكروه من أقسام الحلال‏.‏ وقال فيه قال في شرح الإرشاد‏:‏ الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك‏.‏ قال ابن الرفعة‏:‏ ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه‏.‏ وقد قال الشافعي‏:‏ إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ليس إسناده بمتصل‏)‏ وأخرجه مسلم بسند آخر متصل صحيح ولفظه‏:‏ من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه‏.‏ فإن رضي أخذ وإن كره ترك، وفي رواية له‏:‏ لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه‏.‏ وفي رواية أخرى له‏:‏ لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه‏.‏ ‏(‏ولم يسمع منه‏)‏ أي من سليمان اليشكري ‏(‏قتادة ولا أبو بشر‏)‏ قال الخزرجي في الخلاصة‏:‏ سليمان بن قيس اليشكري عن جابر وأبي سعيد‏.‏ وعنه عمرو بن دينار وأرسل عنه قتادة وأبو بشر قال النسائي ثقة انتهى‏.‏ ‏(‏ولا نعرف لأحد منهم‏)‏ أي ممن روى عن سليمان اليشكري ‏(‏ولعله‏)‏ أي لعل عمرو بن دينار ‏(‏سمع منه‏)‏ أي من سليمان اليشكري‏.‏

889- باب مَا جَاءَ في المُخَابَرَة والمُعَاوَمة

1310- حدثنا محمد بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا عَبْدُ الْوَهّابِ الثَقَفِيّ‏.‏ حدّثنَا أَيّوبُ عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ والمُخَابَرَةِ والمُعَاوَمة‏.‏ ورَخّصَ في الْعَرايَا‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن المحاقلة والمزابنة‏)‏ أما المحاقلة والمزابنة فقد تقدم معانيهما في باب النهي عن المحاقلة والمزابنة‏.‏ وأما المخابرة فقد تقدم معناها في باب النهي عن الثنيا ‏(‏والمعاومة‏)‏ مفاعلة من العام، كالمسانهة من السنة والمشاهرة من الشهر‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ هي بيع ثمر النخل أو الشجر سنتين أو ثلاثاً فصاعداً قبل أن تظهر ثماره‏.‏ وهذا البيع باطل لأنه بيع ما لم يخلق فهو كبيع الولد قبل أن يخلق ‏(‏ورخص في العرايا‏)‏ تقدم تفسير العرايا في باب العرايا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

890- باب ما جاء في التسعير

1311- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا الْحَجّاجُ بنُ مِنْهَالٍ‏.‏ حدّثنَا حَمّادُ بنُ سَلمَةَ عنْ قَتَادَةَ‏.‏ و ثَابِتٌ و حُمَيْدٌ عنْ أَنَسٍ، قالَ‏:‏ غَلاَ السّعْرُ عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا رسولَ الله سَعّرْ لَنَا فقَالَ ‏"‏إنّ الله هُوَ الْمسَعّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرّزّاقُ، وإنّي لأَرْجُو أنْ ألْقَى رَبّي وَلَيْسَ أحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمِةٍ في دَمٍ ولاَ مَال‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غلا السعر‏)‏ بكسر السين وهو بالفارسية نرخ أي ارتفع السعر ‏(‏سعر لنا‏)‏ أمر من تسعير وهو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمر أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة ‏(‏إن الله هو المسعر‏)‏ بتشديد العين المكسورة قال في النهاية‏:‏ أي أنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها فلا اعتراض لأحد‏.‏ ولذلك لا يجوز التسعير انتهى‏.‏ ‏(‏القابض الباسط‏)‏ أي مضيق الرزق وغيره على من شاء كيف شاء وموسعه ‏(‏وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة‏)‏ قال في المجمع مصدر ظلم واسم ما أخذ منك بغير حق وهو بكسر لام وفتحها وقد ينكر الفتح انتهى‏.‏ وقد استدل بالحديث وما ورد في معناها على تحريم التسعير وأنه مظلمة ووجهه أن الناس مسلطون على أموالهم‏.‏ والتسعير حجر عليهم‏.‏ والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقوله تعالى ‏(‏إلا أن تكون تجارة عن تراض‏)‏ وإلى هذا ذهب جمهور العلماء‏.‏ وروي عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير‏.‏ وأحاديث الباب ترد عليه وظاهر الأحاديث أنه لا فرق بين حالة الغلاء ولا حالة الرخص، ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور‏.‏ وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء‏.‏ وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتاً للاَدمى ولغيره من الحيوانات، وبين ما كان من غير ذلك من الإدامات وسائر الأمتعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي وأبو يعلى والبزار‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإسناده على شرط مسلم، وصححه أيضاً ابن حبان‏.‏ وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد وأبو داود قال‏:‏ جاء رجل فقال يا رسول الله سعر‏.‏ فقال‏:‏ بل ادعوا الله‏.‏ ثم جاء آخر فقال‏:‏ يا رسول الله سعر‏.‏ فقال بل الله يخفض ويرفع‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وحسنه الحافظ وعن علي عند البزار نحوه وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير، وعن أبي جحيفة في الكبير كذا في النيل‏.‏

891- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الْغِشّ في الْبُيُوع

‏(‏باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الغش ضد النصح من الغشش وهو المشرب لكدر انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه والغش بالكسر الاسم منه انتهى‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ غش بالكسر خيانت كردن

1312- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنِ الْعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عنْ أَبيِهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ‏.‏ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أصَابِعُهُ بَلَلاً‏.‏ فَقالَ ‏"‏يَا صَاحِبَ الطّعامِ مَا هَذَا‏"‏ قالَ‏:‏ أصَابَتْهُ السّماءُ، يَا رسولَ الله قالَ ‏"‏أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطّعَامِ حَتّى يَرَاهُ النّاسُ‏"‏‏؟‏ ثمّ قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ غَشّ فَلَيْسَ مِنّا‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنِ ابْنِ عُمَرَ وأبي الحَمْرَاءِ وابنِ عَبّاس وبُرَيْدَةَ وأبي بُرْدَة بنِ نِيَارٍ وَحُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ‏.‏

قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهلِ الْعِلْمِ‏.‏ كَرهُوا الْغِشّ، وَقَالُوا الْغِشّ حَرَامٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر على صبرة‏)‏ بضم الصاد المهملة وسكون الموحدة ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن كذا في القاموس، وقال في النهاية‏:‏ الصبرة الطعام المجتمع كالكومة وجمعها صبر ‏(‏من طعام‏)‏ المراد من الطعام جنس الحبوب المأكول ‏(‏فأدخل يده فيها‏)‏ أي في الصبرة ‏(‏فنالت‏)‏ أي أدركت ‏(‏بللا‏)‏ بفتح الموحدة واللام ‏(‏قال أصابته السماء‏)‏ أي المطر لأنها مكانه وهو نازل منها قال الشاعر‏:‏

إذا نزل السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضاباً

‏(‏من غش أمتي ليس مني‏)‏ وفي رواية مسلم فليس مني‏.‏ قال النووي‏:‏ كذا في الأصول ومعناه ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعلمي وحسن طريقتي كما يقول الرجل إذا لم يرض فعله لست مني‏.‏ وهكذا في نظائره مثل قوله‏:‏ من حمل علينا السلاح فليس منا‏.‏ وكان سفيان بن عيينة يكره تفسير مثل هذا أو يقول‏:‏ بئس مثل القول، بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر انتهى‏.‏ وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه أحمد والدارمي ‏(‏وأبي الحمراء‏)‏ أخرجه ابن ماج وابن عباس وبريرة لينظر من أخرج حديثهما ‏(‏وأبي بردة بن نيار‏)‏ أخرجه أحمد ‏(‏وحذيفة بن اليمان‏)‏ لم أقف على حديثه ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏

892- باب مَا جَاءَ في اسْتِقْرَاضِ الْبَعِيرِ أوِ الْشّيْءِ مِنَ الْحَيَوانِ أو السن

‏(‏باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان‏)‏ أي غير البعير‏.‏

1313- حدثنا أبُو كُرَيبٍ‏.‏ حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ عَلِيّ بنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ اسْتَقْرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سنا فأَعْطَاه سِنا خَيْراً مِنْ سِنّهِ وقالَ‏:‏ ‏"‏خِيَارُكُمْ أحَاسِنُكُمْ قَضَاءً‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ أبي رَافِعٍ‏.‏ قال أبو عيسى حديثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ وسُفْيَانَ عنْ سَلَمَةَ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ الْعِلمِ‏.‏ لَمْ يَرَوْا بِاسْتَقْرَاضِ السّنّ بأْساً مِنَ الاْبِل‏.‏ وهُو قَولُ الشّافعيّ وأَحمدَ وإسْحاقَ‏.‏ وكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ‏.‏

1314- حدثنا مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى‏.‏ حَدثنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ‏.‏ حدّثنَا شُعْبَةُ عنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عنْ أبي سَلمَةَ عن أبي هُريْرَةَ أنّ رَجُلاً تَقَاضَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمّ بِهِ أصْحَابُهُ‏.‏ فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دَعُوهُ، فَإِنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالاً‏"‏ ثم قالَ‏:‏ ‏"‏اشْتَرُوا لَهُ بَعِيراً، فَأَعْطُوهُ إيّاهُ‏"‏ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا إلاّ سِنّا أفْضَلَ مِنْ سِنّهِ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏اشْتَرُوهُ فَأَعْطوهُ إيّاهُ‏.‏ فَإِنّ خيْرَكمْ أَحْسَنُكُم قَضَاءً‏"‏‏.‏

حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثَنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ‏.‏ حدّثنا شُعْبَةُ عن سَلمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1315- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ‏.‏ حَدّثَنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ‏.‏ حَدّثَنَا مَالِكُ بنُ أنَسٍ عَنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أبي رَافِعٍ مَوْلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ اسْتَسْلَفَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَكْراً‏.‏ فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنَ الصَدَقَةِ‏.‏ قَالَ أبُو رَافِعٍ‏.‏ فأَمَرَنِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقْضِي الرّجُلَ بَكْرَهُ‏.‏ فَقلت‏:‏ لاَ أَجِدُ في الإبِلِ إلاّ جَمَلاً خِيَاراً رَبَاعِياً‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أعْطِهِ إيّاهُ‏.‏ فإنّ خِيَارَ النّاسِ أحْسَنُهُمْ قَضَاءً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي من رجل ‏(‏سنا‏)‏ أي جملا له سن معين ‏(‏فأعطى‏)‏ وفي نسخة فأعطاه ‏(‏سنا خير من سنه‏)‏ أي من سن الرجل الذي استقرض منه قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي رافع‏)‏ أخرجه مسلم والترمذي في هذا الباب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا باستقراض السن بأساً من الإبل‏.‏ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الحافظ وهو قول أكثر أهل العلم انتهى‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ وفي الحديث جواز اقتراض الحيوان‏.‏ وفيه ثلاثة مذاهب‏:‏ مذهب الشافعي ومالك وجماهير العلماء من السلف والخلف- إنه يجوز قرض جميع الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطيها فإنه لا يجوز‏.‏ ويجوز إقراضها لمن لا يملك وطيها كمحارمها والمرأة والخنثى‏.‏ والمذهب الثاني- مذهب المزني وابن جرير وداود- أنه يجوز قرض الجارية وسائر الحيوان لكل واحد‏.‏ والثالث مذهب أبي حنيفة والكوفيين- أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان‏.‏ وهذه الأحاديث ترد عليهم ولا تقبل دعواهم النسخ بغير دليل انتهى كلام النووي‏.‏ قلت جواز اقتراض الحيوان هو الراجح يدل عليه أحاديث الباب ‏(‏وكره بعضهم ذلك‏)‏ وهو قول الثوري وأبي حنيفة رحمه الله، واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن ابن عباس مرفوعاً، أخرجه ابن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله، وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة، وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وفي الجملة هو حديث صالح للحجة‏.‏ وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب‏.‏ وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏ والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك، لأن الجمع بين الحديثين أولى من إلغاء أحدهما باتفاق، وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه‏.‏ واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافاً متبايناً حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه‏.‏ وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير، وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف بالذمة كذا في الفتح‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي‏:‏ قال أبو حنيفة لا يجوز القرض إلا في المكيل أو الموزون، قال ولنا حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وإن قيل هذا الحديث في البيع لا القرض يقال إن مناطهما واحد انتهى‏.‏ قلت قد رد هذا الجواب بأن الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئة وقرضها جائز فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وقرضه جائز، وقد عرفت أن هذا الحديث محمول على ما إذا كانت النسيئة من الجانبين جمعاً بين الأحاديث‏.‏ قال ومحمل حديث الباب عندي أنه اشترى البعير بثمل مؤجل ثم أعطى إبلاً بدل ذا الثمن بغير الراوي بهذا انتهى كلامه‏.‏ قلت‏:‏ تأويله هذا مردود عليه يرده لفظ استقرض في حديث أبي هريرة المذكور في الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي طلب منه قضاء الدين، وفي رواية للبخاري‏:‏ كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه‏.‏ ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان‏:‏ جاء أعرابي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً ‏(‏فأغلظ له‏)‏ أي فعنف له صلى الله عليه وسلم‏:‏ قال النووي‏:‏ الإغلاظ محمول على التشديد في المطالبة من غير أن يكون هناك قدح فيه ويحتمل أن يكون القائل كافراً من اليهود أو غيرهم انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والأول أظهر لرواية أحمد أنه كان أعرابياً وكأنه جرى على عادته من جفاء المخاطبة ‏(‏فهم به أصحابه‏)‏ أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏دعوه‏)‏ أي اتركوه ولا تزجروه ‏(‏فإن لصاحب الحق مقالاً‏)‏ أي صولة الطلب وقوة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ المراد بالحق هنا الدين أي من كان له على غريمه حق فماطله فله أن يشكوه ويرافعه إلى الحاكم ويعاتب عليه وهو المراد بالمقال كذا في شرح المشارق‏.‏ ‏(‏اشتروا له بعيراً‏)‏ قال الحافظ وفي رواية عبد الرزاق‏:‏ التمسوا له مثل سن بعيره ‏(‏فلم يجدوا إلا سناً أفضل من سنه‏)‏ لأن بعيره كان صغيراً والموجود كان رباعياً خياراً كما في رواية أبي رافع الاَتية ‏(‏فإن خيركم أحسنكم قضاء‏)‏ فيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقاً وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد منعت وإن كانت بالوصف جازت‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا روح بن عبادة‏)‏ ابن العلاء أبو محمد البصري ثقة فاضل له تصانيف من التاسعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏استسلف‏)‏ أي استقرض ‏(‏بكراً‏)‏ بفتح الباء وسكون الكاف أي شاباً من الإبل قال في النهاية‏:‏ البكر بالفتح الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة وقد يستعار للناس انتهى‏.‏ ‏(‏فجاءته إبل من الصدقة‏)‏ أي قطعة إبل من إبل الصدقة ‏(‏إلا جملاً خياراً‏)‏ قال في النهاية يقال جمل خيار وناقة خيار أي مختار ومختارة ‏(‏رباعياً‏)‏ بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة والياء المثناة التحتانية، وهو من الإبل ما أتى عليه ست سنين ودخل في السابعة حين طلعت رباعيته ‏(‏اعطه إياه فإن خيار الناس الخ‏)‏ قال النووي هذا مما يستشكل فيقال كيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم‏؟‏ مع أن الناظر في الصدقات لا يجوز تبرعه منها‏.‏ والجواب أنه صلى الله عليه وسلم اقترض لنفسه فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها بعيراً رباعياً ممن استحقه فملكه النبي صلى الله عليه وسلم بثمنه وأوفاه متبرعاً بالزيادة من ماله، ويدل على ما ذكرناه رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏اشتروا له سناً‏"‏‏.‏ فهذا هو الجواب المعتمد وقد قيل في أجوبته غيره منها أن المقترض كان بعض المحتاجين اقترض لنفسه فأعطاه من الصدقة حين جاءت وأمره بالقضاء انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وروى ابن ماجه عن عرباض ابن سارية الجملة الأخيرة بلفظ‏:‏ خير الناس خيرهم قضاء‏.‏

893- باب

1316- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ حَدّثَنَا إسْحاقُ بنُ سُلَيْمانَ الرازي عَنْ مُغِيرَةَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إن الله يُحِبّ سَمْحَ الْبَيْعِ، سَمْحَ الشّرَاءِ‏.‏ سَمْحَ الْقَضَاءِ‏"‏‏.‏ قال وفي الباب عن جابر‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهمْ هَذَا الْحَدِيثَ عن يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

1317- حدثنا عَبّاسٌ الدّورِي حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بنُ عَطَاءِ أخبرنا إسْرَائِيلُ، عَنْ زَيْدِ بنِ عَطَاءٍ بنِ السّائِب، عَنْ مُحَمّدِ بن المُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ قَالَ‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏غَفَرَ الله لِرَجُلٍ كان قَبْلَكُمْ‏.‏ كانَ سَهْلاً إذَا بَاعَ‏.‏ سَهْلاً إذَا اشْتَرَى‏.‏ سَهْلاً إذَا اقْتَضَى‏"‏‏.‏

قال هذا حديثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ غريب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يحب سمح البيع‏)‏ بفتح السين وسكون الميم أي سهلاً في البيع وجواداً يتجاوز عن بعض حقه إذا باع‏.‏

قال الحافظ‏:‏ السمح الجواد يقال سمح بكذا إذا جاد والمراد هنا المساهلة ‏(‏سمح الشراء سمح القضاء‏)‏ أي التقاضي لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال‏.‏ قاله المناوي‏.‏ وللنسائي من حديث عثمان رفعه‏:‏ أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبايعاً وقاضياً ومقتضياً‏.‏ ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو ونحوه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح‏.‏ قال المناوي في شرح الجامع الصغير‏:‏ وأقروه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً الخ‏)‏ قال المناوي‏:‏ فيه حث لنا على التأسي بذلك لعل الله أن يغفر لنا ‏(‏إذا اقتضى‏)‏ أي إذا طلب ديناً له على غريم يطلبه بالرفق واللطلف لا بالخرق والعنف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب صحيح حسن من هذا الوجه‏)‏ ورواه أحمد والبيهقي قال المناوي في شرح الجامع الصغير‏:‏ ذكر الترمذي أنه سئل عنه البخاري فقال حسن انتهى‏.‏ ورواه البخاري في صحيحه من طريق علي بن عياش عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن جابر بلفظ‏:‏ رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى‏.‏

894- باب النّهْيِ عنْ الْبَيْعِ في المَسْجِد

1318- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الْخَلاّلُ‏.‏ حَدّثنَا عارِمٌ‏.‏ حَدّثنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ‏.‏ أخبرنا يَزِيدُ بنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يبْتَاعُ في الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا‏:‏ لاَ أَرْبَحَ الله تِجَارَتَكَ‏.‏ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالّة فَقُولوا‏:‏ لا ردّ الله عَلَيْكَ‏"‏‏.‏

حديِثُ أبي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا البَيْعَ وَالشّرَاءَ في الْمَسْجِدِ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ أحْمد وَإِسْحَاقَ‏.‏ وَقَدْ رَخّصَ بَعَضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، في الْبَيْعِ وَالشّرَاءِ في الْمَسْجِدِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا رأيتم من يبيع أو يبتاع‏)‏ أي يشتري قال القاري‏:‏ حذف المفعول يدل على العموم فيشمل ثوب الكعبة والمصاحف والكتب والسبح ‏(‏فقولوا‏)‏ أي لكل منهما باللسان جهراً أو بالقلب سراً‏.‏ قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن يكون القول باللسان جهراً ويدل عليه حديث بريدة الاَتي ‏(‏لا أربح الله تجارتك‏)‏ دعاه عليه أي لا جعل الله تجارتك ذات ربح ونفع‏.‏ ولو قال لهما معاً لا أربح الله تجارتكما جاز لحصول المقصود ‏(‏وإذا رأيتم من ينشد‏)‏ بوزن يطلب ومعناه أي يطلب برفع الصوت ‏(‏فيه‏)‏ أي في المسجد ‏(‏ضالة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره يقال ضل الشيء إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا حار‏.‏ وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع وتجمع على ضوال انتهى‏.‏ ‏(‏فقولوا لا ردها الله عليك‏)‏ وروى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ‏:‏ من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك لأن المساجد لم تبن لهذا‏.‏ وعن بريدة أن رجلاً نشد في المسجد فقال من دعا إلى الجمل الأحمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له‏.‏ قال النووي في هذين الحديثين فوائد‏:‏ منها- النهي عن نشد الضالة في المسجد ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود وكراهة رفع الصوت فيه‏.‏ قال القاضي‏:‏ قال مالك وجماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره‏.‏ وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولا بدلهم منه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي وأحمد والنسائي في اليوم والليلة، وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم‏.‏ ذكره ميرك وقد عرفت أن مسلماً قد أخرج الشطر الثاني من هذا الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم كرهوا البيع والشراء في المسجد‏)‏ وهو الحق لأحاديث الباب ‏(‏وقد رخص بعض أهل العلم في البيع والشراء في المسجد‏)‏ لم أقف على دليل يدل على الرخصة وأحاديث الباب حجة على من رخص‏.‏